بعد تطبيق تركيا اتفاقية مونترو واغضـ.ـاب روسيا..تعرّف على سفن روسيا العسكرية خارج البحر الأسود و ما مصير هذه الأساطيل بعد تفعيل مونترو.؟
إثر تصاعد حدة التوترات، بعد إعلان روسيا تنفيذها هـ.ـجوماً عسكرياً عنيـ.ـفاً على أوكرانيا، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو الاثنين 28 فبراير/شباط المنقضي، أن بلاده أخطرت جميع الدول بألا ترسل سفنها الحـ.ـربية من أجل عبور المضايق التركية، بموجب اتفاقية مونترو.
وأوضح جاوش أوغلو في تصريح صحفي عقب اجتماع الحكومة، أن “اتفاقية مونترو تمنح تركيا صلاحية مطلقة في إغلاق المضايق إذا كانت طرفاً في الحـ.ـرب.. أما إذا لم تكن تركيا طرفاً في الحـ.ـرب، فلديها صلاحية عدم السماح لسفن الدول المتحاربة بالعبور من مضايقها”.
ويأتي القرار التركي، في إطار المساعي التي بذلتها تركيا مؤخراً كلاعب رئيسي على الساحة الدولية، لاحتواء الأزمة بين البلدين المتجاورين، والدفع نحو حلها عبر القنوات الدبلوماسية والتفاوض، ولكي لا يتحول البحر الأسود أيضاً إلى “بحر من النار”.
ويبدو أن روسيا بدورها، كانت تتوقع القرار التركي، إذ نقلت نقل 6 سفن حربية من البحر الأبيض إلى البحر الأسود عبر المضايق التركية، يوم 8 فبراير/شباط الماضي، أي قبل بدء الحرب. ولكن ذلك لا يمنع، أن القرار سيشدد الخنـ.ـاق أيضاً على روسيا، في أحد أهم ملاعب الصـ.ـراع الدولي الاستراتيجية، وهي “البحار” و”عمق البحار”.
أساطيل روسية ضخمة في محيطات العالم
تمكنت روسيا خلال العقديْن الماضييْن، من تطوير ترسانة عسكرية وأساطيل بحرية ضخمة منتشرة في مختلف البحار والمحيطات القريبة والبعيدة، لتأدية العديد من المهام العسكرية والاستخباراتية والدفاعية، بعد أن ورثت أسطولاً عسكرياً منهكاً ومدمراً عن الاتحاد السوفييتي، بعد الحـ.ـرب الباردة.
واكتسى بذلك الوجود الروسي، في محيطات العالم، خلال السنوات الأخيرة، دوراً استراتيجياً كبيراً، وشكل تحدياً فريداً لجيوش القوى العالمية.
وتدير اليوم البحرية الروسية، حوالي 360 سفينة من جميع الأنواع. وجرى استبدال أغلب المدمـ.ـرات الكبيرة ذات الصواريخ الموجهة في الفترة الأخيرة، بسفن حربية أصغر ليست باهظة الثمن، مثل الطرادات والفرقاطات، وهو ما يمثل وفق محللين عسكريين قوة دفاع داخلية هامة، كما أن هذه السفن أثبتت رغم من صغر حجمها مقارنة مع نظيراتها من الدول المنافسة، قدرتها على حمل صواريخ تستهدف أهدافا بعيدة، مثل ضرب أهداف في أوروبا من بحر قزوين.
وكانت النتيجة قوة بحرية بها عشرات السفن الصغيرة المحملة بالصواريخ ذات القدرة الضاربة بعيدة المدى.
كما تضم القوة البحرية الروسية، أسطولاً من الغواصات الضخمة من بينها 12 غواصة تعمل بالطاقة النووية، وأخرى قادرة على حمل أسلحة نووية وصواريخ كروز، وتعتقد القوات الروسية أن الغواصات من أفضل الأسلحة لديها لهزيمة البحرية الأمريكية.
وتتكون البحرية الروسية من الأسطول الشمالي، وأسطول المحيط الهادئ ، وأسطول البحر الأسود، وأسطول البلطيق، وأسطول بحر قزوين. وإن كانت تنتشر اليوم على نطاق أصغر من الولايات المتحدة، إلا أنها قد تمكنت من تكثيف وجودها وتكثيف عملياتها في العديد من محيطات العالم، ما يمثل تهديداً حقيقياً في حال نشوب أي صراع بينها وبين الدول الخصوم.
ووفق ما أفاد به قائد القوات البحرية الروسية الأدميرال نيكولاي يفمينوف، في تهنئة وجهها إلى مرؤوسيه بمناسبة حلول “يوم قائد السفينة”، موفي العام الماضي 2021، فإن حوالي 100 سفينة حـ.ـربية وسفينة دعم روسية حالياً في الشمال والمحيط الهادئ والبحر الأسود والبلطيق وبحر قزوين، مختلف البحار والمحيطات القريبة والبعيدة.
وتحظى هذه الأساطيل بغطاء جوي عسكري روسي، ضخم، يضطلع بمهمة تأمين مساراتها وأداء مهامها.
الأسطول البحري الروسي.. مهام استخباراتية
وإلى جانب المهام العسكرية، اتهمت العديد من الأطراف الأجنبية، السفن الروسية بالتجسس وجمع المعلومات الاستخباراتية على ضفافها. وادعت هذه الأطراف أن روسيا، لم تكن لتفوت المحيطات وقاع البحار أيضاً، إلى جانب البر والجو والفضاء، لخوض حـ.ـروبها ضد منافسيها وخصومها.
ففي مايو/آيار 2021، نقلت مصادر بوزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون” عن ضبط السفينة الروسية “كارليا” تعمل في المياه الدولية، بمسافة قريبة جداً من سواحل ولاية “هاواي” الأمريكية، وهو أمر غير آمن وغير عادي، ومن المرجح أنها تقوم “بالتجسس”، الأمر الذي لم تعلق عليه الجهات الرسمية الروسية.
كما اتهمت فرنسا أيضاً، سفينة “ينتار” الروسية بالتجسس وجمع المعلومات الاستخبارية الأوقيانوغرافية، في المحيط الأطلسي قبل عبورها مياه القناة الإنجليزية في سبتمبر/أيلول الماضي. وأشار مختصون في البحرية الفرنسية، إلى أن هذه السفينة تعتبر متطورة جداً، وبإمكانها إرسال غواصات تصل إلى أعماق 6000 متر، ويمكنها الوصول إلى الانترنت البحرية، وجمع المعلومات والتخريب.
فيما تحدث مسؤولون أمريكيون عن وجود سفن تجسس روسية لتتبع الأساطيل الأمريكية في البحر الأبيض المتوسط. ومن بينها، سفينة الاستطلاع العسكرية الروسية “فاسيلي تاتيشيف”.
ووفق تقارير عسكرية واستخباراتية أمريكية، فإن الأسطول الروسي يضم الآن 20 سفينة استطلاع ومهام خاصة، ست منها تخدم في أسطول الشمال، وخمس في أسطول المحيط الهادئ والبحر الأسود، وأربع في أسطول البلطيق.
وفي هذا السياق قال الخبير العسكري، سيرغي إيشينكو، في تصريح إعلامي سابق: “لا يعلن عن تبعية سفن الاستطلاع على الملأ، ناهيكم بقدراتها التقنية في مجال الاستطلاع والاتصالات. في الماضي، كانوا يسمونها عموماً سفن أبحاث أوقيانوغرافية، ولا يشبه مظهرها، بما في ذلك ألوانها، السفن الحربية”.
ما مصير هذه الأساطيل بعد تفعيل مونترو؟
بينما تتوزع هذه الأساطيل الروسية الضخمة في محيطات العالم، لأداء مهام مختلفة، بوّأت روسيا مكانة دولية هامة، يصبح القرار التركي بإغلاق مضيقي الدرندنيل والبوسفور أمامها، واللذيْن يعدّا بوابة روسيا للعبور من البحر الأسود إلى البحر المتوسط عن طريق بحر إيجة، ضربة موجعة، وأمراً مكلفاً كثيراً لخدماتها اللوجستية والعسكرية.
وكانت روسيا حاولت مراراً في السابق تغيير بنود وشروط الاتفاقية، لكنها لم تنجح في ذلك، لتواجه اليوم تداعيات ذلك، الذي من الممكن أن يضعف موقفها على الساحة الدولية.
ووُقعت اتفاقية مونترو يوم 20 يوليو/تموز 1936 بمدينة مونترو السويسرية، وبمشاركة دول منها الاتحاد السوفييتي وتركيا وبريطانيا وفرنسا واليونان وبلغاريا ورومانيا ويوغوسلافيا واليابان وأستراليا.
وتسمح اتفاقية مونترو الموقعة عام 1936 بمرور السفن الحربية التابعة للدول غير المشاطئة للبحر الأسود، من مضيقي الدردنيل والبوسفور، بشرط إشعار تركيا بالمرور قبل 15 يوماً، والبقاء في البحر الأسود لمدة لا تتجاوز 21 يوماً.
وقد لفت خبراء ومحللون، إلى أن الاتفاقية تتضمن أيضاً بنداً يسمح للسفن الحـ.ـربية للدول المتحاربة العبور إذا كانت عائدة إلى قاعدتها الأصلية، انطلاقها من كونها دولة مشاطئة في البحر الأسود.
وأكد على ذلك أيضاً وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو، قائلاً: “الاتفاقية لا تحظر عبور السفن الحربية العائدة إلى قواعدها في البحر الأسود”.
ومن جانبه أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أقار، أن بلاده ستواصل تطبيق البنود 19 و20 و21 من اتفاقية مونترو للمضايق البحرية. موضحاً أن أنقرة تبذل جهداً من أجل تجنب تحويل البحر الأسود إلى منطقة صراع.
وبالتالي فإن القرار، لا يؤثر على مسار الحرب في أوكرانيا فقط، بل يتعداه إلى التأثير على الأسطول الروسي في مجاله الحيوي في بحار العالم، وخاصة في البحر المتوسط الذي كثف فيه وجوده مؤخراً.
إرسال التعليق